lundi 3 février 2014

علم العرب في الطعام

علم العرب في الطعام

قال عمرو الجاحظ: احتجنا عند التطويل، وحين صار طويلاً كبيراً، إلى أن يكون قد دخل فيه من علم العرب وطعامهم، وما يتمادحون به، وما يتهاجون به، شيء وإن قل؛ ليكون الكتاب قد انتظم جمل هذا الباب. ولولا أن يخرج من مقدار شهوة الناس، لكان الخبر عن العرب والأعراب، أكثر من جميع هذا الكتاب.

الطعام ضروب. والدعوة اسم جامع. وكذلك الزلة. ثم منه العرس والخرس والإعذار والوكيرة والنقيعة. والمأدبة اسم لكل طعام دعيت إليه الجماعات.

قال الشاعر:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الآدب فينا ينتـقـر

وجاء في الحديث: القرآن مأدبة الله. وقد زعم ناس أن العرس هو الوليمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: أولم ولو بشاة. وكان ابن عوف والأصمعي من بعده يذمان عمرو بن عبيد، ويقولون: لا يجيب الولائم، يجعلان طعام الإملاك والأعراس والسبوع والختان وليمة. والعرس معروف. إلا أن المفضل الضبي زعم أن هذا الاسم مأخوذ من قولهم: لا عطر بعد عروس. وكان الأصمعي يجعل العروس رجلاً بعينه، كان بنى على أهله فلم تتعطر له. فسمى بعد ذلك كل بان على أهله بذلك الاسم. ومثل هذا لا يثبت إلا بأن يستفيض في الشعر، ويظهر في الخبر. وأما الخرس فالطعام الذي يتخذ صبيحة الولادة للرجال والنساء. وزعموا أن أصل ذلك مأخوذ من الخرسة. والخرسة طعام النفساء. قالت جارية ولدت حين لم يكن لها من يخدمها ويمارس لها ما يمارس للنفساء: تخرسي، لا مخرسة لك.

وفي الخرسة يقول مساور الوراق:
إذا أسدية ولدت غـلامـاً

فبشرها بلؤم في الغـلام
تخرسها نساء بنـي دبـير

بأخبث ما يجدن من الطعام

وقال ابن قميئة:
شركم حاضر وخـيركـم د

ر خروس من الأرانب بكر

فالخروس هي صاحبة الخرسة.

والأعذار طعام الختان. يقال: صبي معذور، وصبي معذر، جميعاً. وقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يريد تقاربهم في الأسنان: كنا إعذار عام واحد.

وقال النابغة:
فنكحن أبكاراً وهن بإمة

أعجلنهن مظنة الإعذار

فزعموا أنهم سموا طعام الإعذار بالإعذار، للملابسة والمجاورة.

كان الأصمعي يقول: قد كان للعرب كلام على معان. فإذا ابتدلت تلك المعاني، لم تتكلم بذلك الكلام. فمن ذلك قول الناس اليوم: ساق إليها صداقها. وإنما كان هذا يقال حين كان الصداق إبلا وغنماً. وفي قياس قول الأصمعي أن أصحاب التمر الذين كان التمر دياتهم ومهورهم، كانوا لا يقولون: ساق فلان صداقه. قال: ومن ذلك قول الناس اليوم:" قد بنى فلان البارحة على أهله". وإنما كان هذا القول لمن كان يضرب على أهله في تلك الليلة قبته وخيمته. وذلك هو بناؤه.

ولذلك قال الأول:
لو نزل الغيث أبنين امرأً

كانت له قبة، سحق بجاد

وكان الأصمعي يعد من هذا أشياء ليس لذكرها هاهنا وجه.

ومن طعامهم الوكيرة. وهو طعام البناء. كان الرجل يطعم من يبني له. وإذا فرغ من بنائه تبرك بإطعام أصحابه ودعائهم.

ولذلك قال قائلهم:
خير طعام شهد العشـيرة

العرس والإعذار والوكيرة

ويسمون ما ينحرون من الإبل والجزر من عرض المغنم النقيعة.

قال الشاعر:
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم

ضرب القدار نقيعة القـدام

والعقيقة دعوة على لحم الكبش الذي يعق عن الصبي. والعقيقة اسم للشعر نفسه. والأشعار هي العقائق. وقولهم: عقوا عنه، أي احلقوا عقيقته. ويقولون: عق عنه، وعق عليه. فسمى الكبش - لقرب الجوار وسبب المتلبس - عقيقة. ثم سموا ذلك الطعام باسم الكبش.

وكان الأصمعي يقول: لا يقولن أحدكم: أكلت ملة، بل يقول: أكلت خبزة وإنما الملة موضع الخبزة. وكذلك يقول في الراوية والمزادة، يقول: الراوية هو الجمل. وزعموا أنهم اشتقوا الراوية للشعر من ذلك.

فأما الدعاء إلى هذه الأصناف، فمنه المذموم، ومنه الممدوح. فالمذموم النقرى، والممدوح الجفلى. وذلك أن صاحب المأدبة وولى الدعوة، إذا جاء رسوله، والقوم في أحويتهم وأنديتهم، فقالوا: أجيبوا إلى طعام فلان. فجعلهم جفلة واحدة، وهي الجفالة. فذلك هو المحمود. وإذا انتقر فقال: قم أنت يا فلان، وقم أنت يا فلان؛ فدعا بعضاً وترك بعضاً، فقد انتقر.

قال الهذلي:
وليلة يصطلى بالفرث جازرها

يخص بالنقرى المثرين داعيها

يقول: لا يدعوا فيها أصحاب الثروة وأهل المكافأة. وهذا قبيح.

وقال في ذلك بعض ظرفائنا:
آثر بالجـدي وبـالـمـائدة

من كان يرجو عنده الفائدة
لو كان مكوكان في كـفـه

من خردل ما سقطت واحدة

وقال طرفة بن العبد:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الآدب فينا ينتـقـر

ولما غزا بسطام بن قيس الشيباني مالك بن المنتفق الضبي، وأثبته عاصم بن خليفة الضبي، شد عليه فطعنه وهو يقول:
وهذا وفي الجفلة لا يدعوني

ويروى: في الحفلة لا يدعوني. كأنه حقد عليه، حين كان يدعو أهل المجلس ويدعه.

والطعام المذموم عندهم ضربان: أحدهما طعام المجاوع والحطمات، والضرائك والسباريت، واللئام والجبناء، والفقراء والضعفاء. من ذلك: الفث والدعاع والهبيد والقرامة والقرة والعسوم ومنقع البرم والقصيد والقد والحيات. فأما الفظ فإنه وإن كان شراباً كريهاً، فليس يدخل في هذا الباب. وكذلك المجدوح. فأما الفظ، فإنه عصارة الفرث، إذا أصابهم العطش في المفارز. وأما المجدوح، فإنهم إذا بلغ العطش منهم المجهود، نحروا الإبل، وتلقوا ألبابها بالجفان، كي لا يضيع من دمائها شيء. فإذا برد الدم ضربوه بأيديهم، وجدحوه بالعيدان جدحاً حتى ينقطع، فينعزل ماؤه من ثقله، كما يخلص الزبد بالمخيض، والجبن بالأنفحة، فيتصافنون ذلك الماء، ويتبلغون به، حتى يخرجوا من المفازة.

وقال الشاعر:
لم تأكل الفث والدعاع ولم

تجن هبيداً بجنبة مهتبـد

وقال أمية بن أبي الصلت:
ولا يتنازعون عنان شرك

ولا أقوات أهلهم العسوم
ولا قرن يقزز من طعـام

ولا نصب ولا مولى عديم

وقال معاوية بن أبي ربيعة الجرمي في الفترة، وهو يعير بني أسد وناسا من هوازن، وهما ابنا القملية:
ألم تر جرمـاً أمـجـدت وأبـوكـم

مع الشعر في قص الملبـد شـارع
إذا قرة جاءت يقول: أصيب بـهـا

سوى القمل؛ إني من هوازن ضارع

والقرامة نحاتة القرون والأظلاف والمناسم وبرادتها. والعلهز القردان؛ ترض وتعجن بالدم. والقرة الدقيق المختلط بالشعر. كان الرجل منهم لا يحلق رأسه إلا وعلى رأسه قبضة من دقيق، للأكل. فهو معيب.

وفي أكل الحيات بقوله ابن مناذر:
فإياكم والـريف لا يقـربـنـه

فإن لديه الحيف والموت قاضيا
وهم طردوكم عن بلاد أبـيكـم

وأنتم حلول تشتوون الأفاعـيا

وقال القطامي في أكلهم القد:
تضيفت في طل وريح تـلـفـنـي

وفي طرمساء غير ذات كـواكـب
إلى حيزبون توقد النـار بـعـد مـا

تلفعت الظلماء مـن كـل جـانـب
فسلمت، والتسلـيم لـيس يسـرهـا

ولكنه حـق عـلـى كـل جـائب
فلما تنازعنا الحـديث سـألـتـهـا

من الحي؟ قالت: معشر من محارب
ومن المشتوين القد في كل شـتـوة

وإن كان ريف الناس ليس بناضـب

وقال الراعي:
بكى منذر من أن يضاف وطـارق

يشد من الجوع والإزار على الحشا
إلى ضوء نار يشتوي القد أهلـهـا

وقد تكرم الأضياف والقد يشتـوي

وقد يضيقون في شراب غير المجدوح والفظ، في المغازي والأسفار؛ فيمدحون من آثر صاحبه، ولا يذمون من أخذ حقه منه. وهو ماء المصافنة. والمصافنة مقاسمة هذا الماء بعينه. وذلك أن الماء إذا نقص عن الري، اقتسموه بالسواء. ولم يكن للرئيس ولا لصاحب المرباع والصفي وفضول المقاسم فضل على أخس القوم. وهذا خلق عام ومكرمة عامة في الرؤساء.

قال الفرزدق:
فلما تصافنا الإداواة أجهـشـت

إلى غضون العنبري الجراضم
على ساعة لو أن في القوم حاتماً

على جوده ضننت به نفس حاتم

وبذلك المذهب من الأثرة، مدح الشاعر كعب بن يمامة، حين آثر بنصيبه رفيقه النمري، فقال:
ما كان من سوقة أسقى على ظمإ

خمراً بماء إذا ناجـودهـا بـردا
من ابن مامة كعب، ثم عـي بـه

زو المـنـية، إلا حـرة وقـدى
أو في على الماء كعب، ثم قيل له:

رد كعب، إنك وراد، فمـا وردا

وفي المصافنة يقول الأسدي:
كأن أطيطا يا بنة الـقـوم لم ينـخ

قلائص يحكيها الـحني المـنــقح
ولم يسق قومـاً فـارســي علـى الـحصى

صبـاب الأداوي والـمطيات جـنح

ويزعمون أن الحصاة التي إن غمرها الماء في الإناء كانت نصيب احدهم، تسمى المقلة. وهذا الحرف سمعته من البغداديين. ولم أسمعه من أصحابناوقد برئت إليك منه.

وقال ابن جحوش في المصافنة:
ولما تعاورنـا الإداوة أجـهـشـت

إلى الماء نفس العنبري الجراضـم
وآثرتـه لـمـا رأيت الـذي بـه

على النفس، أخشى لاحقات الملاوم
فجاء بجلمـود لـه مـثـل رأسـه



وقد يصيب القوم في باديتهم ومواضعهم، من الجهد ما لم يسمع به في أمة من الأمم، ولا في ناحية من النواحي. وإن أحدهم ليجوع حتى يشد على بطنه الحجارة، وحتى يعتصم بشده معاقد الإزار، وينزع عمامته من رأسه، فيشد بها بطنه، وإنما عمامته تاجه.

والأعرابي يجد في رأسه من البرد إذا كان حاسراً ما لا يجده أحد، لطول ملازمته العمامة، ولكثرة طيها وتضاعف أثنائها. ولربما اعتم بعمامتين. ولربما كانت على قلنسوة حدرية.

وقال مصعب بن عمير الليثي:
سيروا فقد جن الـظـلام عـلـيكـم

فباست امرئ يرجو القرى عند عاصم
دفعنا إليه وهـو كـالـذيخ خـاطـيا

نشد على أكـبـادنـا بـالـعـمـائم

وقال الراعي في ذلك:
يشب لركب منهم مـن ورائهـم

فكلهم أمسى إلى ضوئها سـرى
إلى ضوء نار يشتوي القد أهلهـا

وقد تكرم الأضياف والقد يشتوى
فلما أناخوا واشتـكـينـا إلـيهـم

بكوا وكلا الخصمين مما به بكى
بكى منذر من أن يضاف، وطارق

يشد من الجوع الإزار على الحشا

ومما يدل على ما هم فيه من الجهد، وعلى امتداحهم بالأثرة قول الغنوي:
لقد علمت قـيس بـن عـيلان أنـنـا

نضار، وأنا حيث ركـب عـودهـا
إذا الماء بعد اليوم يمـذق بـعـضـه

ببعض، ويبلى شح نفـس وجـودهـا
وأنا مقار حين يبتـكـر الـغـضـى

إذا الأرض أمست وهي جدب جنودها

وقال في ذلك العجير السلولي:
من النهديات الماء بالماء بعد ما

رمى بالمقاري كل قار ومعتم

وقال آخر في مثل هذا:
لنا إبـل يروين يومـاً عـيالـنـا

ثلاث، فإن يكثرن يوماً فـأربـع
يمدهم بالماء لا مـن هـوانـهـم

ولكن إذا ما قـل شـيء يوسـع
على أنها يغشى أولـئك بـيتـهـا

على اللحم حتى يذهب الشر أجمع

وقال أبو سعيد الخدري: أخذت حجراً فعصبته على بطني من الجوع، وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله. فلما سمعته وهو يخطب: من يستعف يعفه الله، ومن يستعن يعنه الله، رجعت ولم أسأله.

قال أعرابي: جعت حتى سمعت من مسامعي دوياً. فخرجت أريغ الصبد، فإذا بمغارة، وإذا هو جرو ذئب. فذبحته وأكلته، وادهنت واحتذيت.

ولما قدم المغيرة القادسية على سعد بسبعين من الظهر، وعند سعد ضيق شديد من الحال، نحروها وأكلوا لحومها، وادهنوا بشحومها، واحتذوا جلودها.

وذكر الأصمعي عن عثمان الشحام، عن أبي رجاء العطاردي، قال: لما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ في القتل، هربنا فاشتوينا فخذ أرنب دفيناً، وألقينا عليها جمالنا. فلا أنسى تلك الأكلة! وكان الأصمعي إذا حدث بهذا الحديث قال: نعم الإدام الجوع، ونعم شعار المسلمين التخفيف.

وذكروا عن عبد الملك بن عمير، عن رجل من بني عذرة، قال: خرجت زائراً لأخوال لي بهجر. فإذا هم في برث أحمر بأقصى هجر، في طلوع القمر. فذكروا أن أتاناً تعتاد نخلة، فترفع يديها، وتعطو بفيها، وتأخذ الحلقان والمنسبتة والمنصفة والمعوة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire