ولد عبد الحميد ابن باديس, بمدينة قسنطينة, في يوم الأربعاء 10ربيع الثاني 1307هـ, الموافق لـ 05-12- 1889م. ونشأ في أسرة عريقة معروفة بالعلم و الجاه واليسار, فكان من أجداده الأولين (المعز ابن باديس) مؤسس الدولة الصنهاجية الأولى - التي لعبت دورا كبيرا في البلاد أثناء العصور الإسلامية المزدهرة في المغرب الإسلامي- التي خلفت دولة الأغالبة على مملكة القيروان, ومن أسلافه المتأخرين (المكي بن باديس) الذي تولى منصب القضاء بقسنطينة . ووالده (محمد المصطفى بن مكي 

بن باديس) صاحب مكانة مرموقة و شهرة واسعة, جعلته موضع التقدير والاحترام بقسنطينة, وأمه كريمة من كرام عائلة ابنعبد الجليل (ابن جلول) تدعى زهيرة بنت علي الأكحل.
وتمتد شجرة العائلة الشيخ بن باديس إلى باكين بن زيري مؤسس دولة بنى زيري والذي بنى كل من مدينة الجزائر العاصمة وملياينة والمدية في القرن العاشر الميلادي

كان ابنباديس بإمكانه الدخول إلي المدارس الفرنسية مثلما فعل اغلب العائلات الغنية آنذاك ولكنه فضل أن يتلقى تربية إسلامية , فأتى له والده بالمعلم إلي البيت وكان الشيخ محمد المداسي أول معلم لعبدالحميدابنباديس وقد أعجب بذكاء ابنباديس مما جعله يقدمه لإمامة المصلين في صلاة التراويح ثلاث سنوات كاملة في الجامع الكبير { قسنطينة } . 
ويعتبر الشيخ حمدان لونيسي من الأساتذة الذين تركوا تأثيرا بليغا في الشيخ ابنباديس وكان وراء رفضه تولي أية وضيفة في الحكومة الاستعمارية و يقول عن ذالك : فقد أوصاني وشدد علي أن لا أقرب الوصيفة ولا أرضاها ما حيت ولا أتخذ علمي مطية لها كما كان يفعل أمثالي في ذالك الوقت.
ونظر المدى ارتباط ابنباديس بأستاذه فإنه أراد مرافقته إلى الحجاز عندما هرب من القمع الاستعماري لكن رفض أبوه ذلك، فوقع الشيخ ابنباديس في حيرة بين إتباع أستاذه الثائر ضد الاستعمار أو طاعة والده الذي لم يبخل عليه بأي شيء من أجل تعليمه حيث كان يقول : ياعبدالحميد أنا أكفيك أمر الدنيا أنفق عليك أقوم بكل أمورك ما طلبت شيئا إلا لبيت طلبك كلمح البصر فاكفني أمر الآخرة وكن الولد الصالح الذي ألقى به وجه الله .
وكان والد ابنباديس عجز على مواجهة الاستعمار مباشرة و أراد تعويض ذلك بتنشيئه ابنه للقيام بهذه المهمة لعل ذلك العمل يشفع له عند لقاء ربه يوم القيام .
وعند التاسعة عشرة من عمره التحق ابنباديس بجامع الزيتونة بتونس فتحصل على شهادة العالمية بعد أربع سنوات من الدراسة عرف فيها بكثرة المطالعة فكان ينهل من الصحف والكتب التي كانت تأتيه من الشرق الإسلامي وقد كانت تأتيه من المشرق الإسلامي وقد كونت فيه هذه يخضع كل شيء للنظر والنقد فأصبح ينافس أستاذه في العديد من القضايا مثلما طرح فكرة تجديد التدريس بجامع الزيتونة واستبدال الطريقة التقليدية بطرق وبرامج حديثة مما جعله عرضة لهجوم الرافضين لكل جديد والمتمسكين بالقديم حتى لو كان باليا .
وفي عام 1912عاد عبدالحميدباديس من تونس إلى وطنه, ليبدأ جهاده في سبيل نشر العلم و اللغة و الدين , وفي الجامع الكبير بقسنطينة, بدأ يلقي دروسه, ولكنه قطع عمله في العام نفسه الذي بدأ فيه, وسافر إلى الحجاز لأداء الحج, و هناك التقى بأستاذه : الشيخ حمدان الونيسي, و تعرف على الأستاذ: محمد البشير الإبراهيمي و نشأت بينهما صداقة, و تلاقت أفكارهما في وجوب إنشاء حركة إصلاحية بالجزائر, ورسما لها منهاجا بحكمة ومهارة .
وعند رجوعه , عرج على مصر, فالتقي ببعض عملائها من أمثال مفتى الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعى و شيخ علماء الإسكندرية , أبي الفضل الجيزاوي, فأجازه كل منهما

يمكن أن نحدد المناخ الذي تكون فيه ابنباديس بالفترة الواقعة بين عام 1847 م هو عام انتهاء كفاح الأمير عبد القادر وعام 1918 م وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الأولي.
ومن المعروف أن متاعب فرنسا العسكرية في الجزائر لم تنته بانتهاء عبد القادر فعندما استولي نابليون الثالث على الحكم عام 1852م كانت هناك مناطق شاسعة من الجزائر ما تزال خارجة عن النفوذ الفرنسي فالمناطق الواقعة ابتداء ببلاد القبائل على أبواب العاصمة إلى غاية سكيكدة كانت غير خاضعة للفرنسيين وفي نفس الوقت كان جنوب الجزائر يتحرك وتنطلق منه الهجمات في اتجاه الشمال.
وقد كانت وسائل المستعمر تكمن فيما يلي :
1- تشديد الخناق علي الجزائريين وخاصة في الأرياف وذلك بواسطة إثقال كاهنهم بالضرائب وتجريدهم من الأراضي وتعجزهم بمختلف الوسائل حتى لا يقووا علي مقاومة .
2- قضاء على الدين الإسلامي حتى تنعدم عوامل السخط السياسي لان الفرنسيون كانوا متأكدين من أن القرآن هو سبب الثورات في الجزائر.
3- التفريق بين وحدة الجزائريين بلجوء إلي وذالك بزرع الفكر القومية { القبائل الشاوية …}
4- ظهور فكرة التجنيد الإجباري0 
5- ظهور قانون الانديجا الذي أنشئ لقتل بوادر المقاومة .
وقد كان ابنباديس الرجل المفكر الذي وقف ضد أفكار الفرنسيين في محاولتهم للقضاء على الشخصية الجزائرية ومسخ تاريخ الجزائر .

اجتمعت عوامل متعددة أثرت في تكوين شخصية ابنباديس ، العلمية والثقافية، وأهمها:

1- ذكاؤه واستعداده الفطري ، و قوة عزيمته الصلبة ، و قدرته على المواجهة وتخطى الصعاب.
2- أسرته التي عرفت بالعلم و المجد و اليسار , فقد هيأت له فرص التفرغ للدراسة والتعليم ، وأمدته بمعونة مالية , جعلته حرا لا يتقيد بوظيفة أو عمل ، كما كانت درعا واقية له من بطش المستعمرين.
3- ثقافة الدينية و العربية, و أعظمها تأثيرا في فكره و أسلوبه, هو القرآن الكريم.
4- حركة الإصلاح في العالم الإسلامي و العربي, التي عاصرها ابن باديس, وكان لجريدة العروة الوثقى و مجلة "المنار" أثر بارز في حياته الثقافية واتجاهه الاصلاحى و الاجتماعي.
5- آثاره العلمية: من آثاره الهامة, تفسيره للقرآن الكريم الذي دام إلقاؤه بجامع الأخضر خمسا و عشرين سنة, و كان منه آيات من سور مختلفة, كتبها و نشرها في مجلة الشهاب, وهي التي تقرأها في هذا السفر الجليل

1- تأسيس جمعية العلماء المسلمين:
تأسست جمعية العلماء المسلمين في عام 1931م كان الهدف من تأسيسها هو جمع شمل علماء الأمة بهدف تنسيق الجهود فيما بينهم لتحقيق الإصلاح الديني وفق أهداف محددة وخطة محكمة بينهم ومن أهم الشخصيات المؤسسة للجمعية رفيقه الشيخ الإبراهيمي الذي أصبح رئيسا للجمعية بعد وفاة ابنباديس والطيب العقبي ممثلها في العاصمة بالإضافة إلي العربي التبسي الذي استشهد أثناء الثورة ومبارك الميلي المعروف بكتابته تاريخ الجزائر في القديم و الحديث { و رسالة في الشرك ومظاهره }
2- إنشاء الكشاف الإسلامية الجزائرية:
إن الشيخ ابنباديس هو الذي أوحي بفكرة إنشاء الكشافة الإسلامية الجزائرية للشهيد محمد بوراس في عام 1933م وكان الهدف منها تربية النشء علي حب الوطن و الأخلاق العالية وقد أعدم الاستعمار محمد بوراس في عام 1941م بتهمة التحريض علي الثورة وقد تربي أغلب الشهداء و المجاهدين في الكشافة الإسلامية الجزائرية ومنهم العربي بن المهيدى و ديدوش مراد …وغيرهما فقلما نذكر حياة شهيد من شهداء الثورة ألا ونجده قد تلقي تربيته الوطنية و الدنية في الكشاف الإسلامية الجزائرية .