محمد السيد عبد الرازق
في يوم من الأيام، فقد الشبل الرضيع أهله من الأسود، وظل هائمًا على وجهه، إلى أن مر به قطيع من الغنم، فسار الشبل معها وصاحبها، وأكل الأعشاب كما تأكل، وكان يرعى الكلأ كما ترعى، إلى أن شب وكبر، ونما وترعرع، لكنه لا يزال يمأمئ كما تمأمئ الغنم، ويأكل كما تأكل، ولم يلفت انتباهه تفوقه عليها قوة وشجاعة.
وفي صباح ذهب ليشرب من النهر، فرأى صورته فتعجب، إنها لا تشبه أباه الكبش، ولا أخاه الحمل، ولا أمه النعجة، فصادف فيلًا وسأله: من أنا؟ قال له: أنت أسد وسليل أسود، حينئذ زأر زئيرًا طارت لهوله قلوب الكباش، تلك التي كان يمأمئ معها قبل قليل، ما الذي حدث لهذا الحيوان؟ وما الذي طرأ عليه وما الذي تغير فيه؟ لا شيء سوى أنه اكتشف نفسه، وأبدى قدرته، وكشف الغطاء عن ذاته [بواعث السرور، د.خالد الدسوقي، ص(50)].
فأنت أخي الشاب هو ذلك الشبل، وأنت سليل أسود هذه الأمة؛ وأنت لابد أن تحافظ على كنز النجاح ذو الأحرف الثلاثة وأن تنميه، إنه كنز "ث ق ة"، أي الثقة بالنفس؛ فإنها مصدر الطاقة الذي يحرك مراكب الناجحين على طريق التميز، فزوِّد نفسك بالوقود اللازم؛ فطريق النجاح طويل، وكلما كان الوقود كافيًا، كان الوصول إلى القمة أسرع.
معنى الثقة بالنفس:
و نعني بها إيمان الإنسان:
1. بقدراته وإمكانياته:
فحينما يثق الإنسان في نفسه، يكون صادقًا في تقدير إمكانياته وقدراته، فهو لا يضخم منها ولا يغتر بنفسه، ولكنه يعترف بما حباه الله من القدرات وما وهبه من الإمكانيات ويسعى دائمًا إلى استثمارها وتنميتها وتطويرها.
2. بأهدافه وقراراته:
فالشخص الواثق من نفسه هو الذي يحدد أهدافه بدقة، ويدافع عنها عند انتقاد الآخرين لها، وكذلك هو الشخص الذي ما إن يتخذ القرار، إلا ويشرع في تنفيذه كما أنه يتحمل المسئولية الكاملة عن أهدافه التي حددها، وقراراته التي أتخذها.
مفتاح الكنز:
لو تصورنا أن الثقة بالنفس كنز، فمفتاحه أن تعرف ما لديك، وأن تؤمن بقدراتك وإمكانياتك التي حباك الله تعالى إياها؛ لتعمل على تحسينها وتضيف إليها، فإن (وجود الإيجابيات فيك يعني أنك قادر على التغيير والانطلاق للأمام، ومعرفتها سيكون بمثابة المصباح الذي يضيء لك الطريق، عندما تعترضك بعض العقبات، أو يضيق صدرك ويعتريك بعض الضعف البشري الطبيعي)[صناعة النجاح، د. عبد الله السبيعي، ص(45)].
حول ما تظنه عيب إلى نجاح باهر:
تمامًا كما فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي صعد يومًا أعلى شجرة فضحك الصحابة رضوان الله عليهم من دقة ساقيه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (ما تضحكون؟ لَرِجلُ عبد الله أثقل فى الميزان يوم القيامة من أحد) [إسناده صحيح]، فحوَّل ضحكات الصحابة وقودًا للنجاح، حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) [إسناده صحيح].
اجعل بينهما حاجزًا:
ومن الأمور التي تعينك على اكتساب الثقة بالنفس والحفاظ عليها، أن تفصل بينك وبين المشاكل والعقبات، فحدوث تلك المشاكل، أو التعثر في تلك العقبات ليس نهاية المطاف، وليس معبرًا عن ضعف في ذاتك، ولكنه أمر طبعي، طالما تعرض إليها الساعون في ركب الناجحين، ولكن تذكر دائمًا قول رالف والدو إيمرسون أنه (عندما تظلم السماء بالقدر الكافي، ستتمكن من رؤية النجوم)[نعم تستطيع، سام ديب وليل ساسمان، ص (4)].
شتان ما بينهما:
ولكن ديننا دين الوسط والاتزان والاعتدال؛ فلا تظنن أن الثقة بالنفس نوعٌ من الغرور؛ فشتان ما بينهما، فكما يقول الشيخ عائض القرني في كتابه لا تحزن: (الثقة بالنفس فضيلة كبرى، عليها عماد النجاح في الحياة، وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة، والفرق بينهما أن الغرور اعتماد النفس على الخيال وعلى الكبر الزائف، والثقة بالنفس اعتمادها على الله عز وجل ثم على مقدرتها على تحمل المسئولية، وعلى تقوية ملكاتها وتحسين استعدادها) [لا تحزن، د.عائض القرني، ص(69)].
نصف الكوب المملوء:
إنها كناية عن النظرة المتفائلة التي تفكر بشكل إيجابي لكل ما يحيط بها، أو ينزل بساحتها، تمامًا كما نظر التابعي الجليل عروة بن الزبير إلى نصف الكوب الممتلئ؛ فامتلأ تفاؤلًا وإقبالًا على الحياة، ورضا بالقضاء والقدر، فهو الذي ابتلاه الله بفقد ساقه، ثم ابتلاه الله بفقد أكبر أولاده، فما لام الظروف على ما جرى، وما ذهبت نفسه حسرات على ما فقد، بل نظر إلى ما أبقى له الله عز وجل من النعم، فلهج لسانه بشكر الله قائلًا:
(اللهم إنه كان لي أطراف أربعة، فأخذتَ واحدًا وأبقيت ثلاثة؛ فلك الحمد، وكان لي بنون أربعة، فأخذتَ واحدًا وأبقيت لي ثلاثة؛ فلك الحمد، وأيم الله، لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن أبليت طالما عافيت) [حلية الأولياء، أبو نعيم، (1/288)].
الرسالة الربانية:
وحينما ينظر المؤمن من باب الفأل الحسن، ونافذة التفكير الإيجابي، ويتأمل دائمًا في نصف الكوب المملوء، فإن عليه أن يبحث في ثنايا كل ما يحدث له عن رسالة من رب العالمين، عن عظة وعبرة يريده الله جل وعلا أن يعيَّها، اسأل نفسك هذا السؤال: ما الذي يريده الله مني في هذا الموقف؟ ما الذي يريد أن يُعلِّمني إياه من وراء هذه المشكلة؟
وتأكد أخي المؤمن أنك إذا أجبت الإجابة الصحيحة؛ سيتغير الحال بإذن الله على الفور؛ لأنك بذلك تكون قد تلقيت الرسالة الربانية بنجاح.
كن متفائلًا:
يحكى أن رجلًا كان نائمًا في المستشفى على ظهره، وآخر إلى جواره يحدثه، ويقول له: إنه ينظر من خلال النافذة إلى الجو في الخارج، إنه جو عليل، والمطر يتساقط، والناس يتراكضون بفرح وسرور، ويومًا آخر ينظر إلى الحديقة وجمالها، ويومًا ثالثًا ينظر إلى صديقين التقيا بعد طول فراق؛ فضم بعضهما إلى بعض، وضحك أحدهما إلى الآخر، وانهمكا في حديث ودي جميل.
ولا يزال يصف له من المشاهد التي يراها عيانًا؛ فيدخل السرور على هذا المريض، ويتفاعل معها كأجمل ما يكون التفاعل.
وذهب هذا الرجل الذي يشاهد الأشياء خارج المستشفى إلى مكان آخر، ففقد الرجل الصوت، ولم يعد يرى بأذنه تلك المشاهد الجميلة، وحينما سأل تبين له أن الذي كان يصف له رجل أعمى، وأن النافذة في غرفته، إنما تطل على منور ضيق، ليس فيه إلا نور ضعيف، ثم الجدار.
أيها الشاكي وما بك داء كن جميلًا تَرَ الوجود جميلًا
لا تحزن:
وقبل الختام، إليك هذه النصيحة الرائعة التي يصوغها لنا الشيخ عائض القرني في كتابه لا تحزن فيقول: (إذا داهمتك داهيةً فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون، فأضف إليه حفنة من السكر، وإذا أهدي لك ثعبانًا، فخذ جلده الثمين واترك باقيه، وإذا لدغتك عقرب، فاعلم أنه مصلٌ واقٍ ومناعةٍ حصينةٍ ضد سم الحيات)[لا تحزن، د.عائض القرني، ص(27)].
كما أنه لا يعني كون المرء عارفًا بقدر نفسه، شاعرًا بتكريم الله له، أن يكون متكبرًا على غيره، متعاليًا عما سواه، فليس ذلك من خلق المؤمن الذي تربى على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس) [رواه مسلم].
فالمؤمن الحق يعلم أن رفعته في الدنيا، وعلو منزله يوم القيامة مرتبطٌ بما يتفضل الله عليه من مكانة ومنزلة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (من تواضع لله رفعه) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (2328)]، فليست الرفعة إلا في تواضع العبد مع إحساسه بقدرته وقوته.
ماذا بعد الكلام؟
1. اصنع لنفسك سجلًّا للمعجزات التي وهبك إياها ربنا سبحانه وتعالى، سجِّل في هذا السجل على الأقل عشرة أشياء من القدرات التي وهبك الله إياها، وزد عليها تدريجيًّا، وسجِّل فيه أيضًا خمسة إنجازات حققتها في حياتك.
2. اصنع ملفًّا خاصًّا لأهم نقاط قوتك التي تراها في نفسك أو يراها فيك الآخرون، واسأل من تثق بهم عن أهم نقاط قوتك التي يرونها فيك، وسجِّل على الأقل خمسًا منها في هذا الملف.
وأخيرًا تذكر: أنه لكي تحقق أكبر قدر من السعادة والإشباع في حياتك, فإنك بحاجة إلى ذخيرة من مهارات التفكير. إنك مسؤول شخصياً عن خياراتك الفكرية وعن تنمية واستخدام مهارات التفكير الملائمة عندما تواجهك مشكلات شخصية، ويمكن أن يتطلب التفكير الفعال والمستقل الكثير من الشجاعة.
المصادر:
· لا تحزن، د.عائض القرني.
· حلية الأولياء، أبو نعيم.
· نعم تستطيع، سام ديب وليل ساسمان.
· بواعث السرور، د.خالد الدسوقي.
· صناعة النجاح، د. عبد الله السبيعي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire